موقف الشريعة الإسلامية من قضية المساواة بين الرجل والمرأة




الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين وأصحابه الأخيار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

1- لقد
صاحب هيمنة الحضارة المعاصرة ذات البعد الغربي فكرياً وثقافياً وسلوكياً محاولات عديدة للسعي إلى تسويق قيم تلك الحضارة من خلال ترويج فكرة العالمية - خاصة في جانبها الاجتماعي والسلوكي - وقد قامت هيئة الأمم المتحدة بأنشطة متعددة في هذا المجال، وذلك بعقد الندوات والمؤتمرات العالمية واستصدار الوثائق حيال العديد من القضايا الاجتماعية المتعددة.

 2- وكان من أهم القضايا المطروحة في المؤتمرات والمواثيق المشار إليها قضايا المرأة والأسرة، باعتبارها من القضايا التي تثار في كل المؤتمرات المذكورة سلفاً، وتكاد تكون القاسم المشترك بينها جميـعاً، الأمر الذي يجعل هذه المؤتمرات من محطات النقاش والاختلاف بين الفكر الغربي والتصور الإسلامي فيما يتعلق بهذه القضايا.

3-
والحق أن كثيراً من القضايا التي تناولتها تلك المؤتمرات هي من الموضوعات التي يتفق فيها الشرع الإسلامي مع الشرائع السابقة وما وصل إليه الضمير الغربي المتحضر، سواء كان هذا الاتفاق بتأييد مقررات تلك المؤتمرات أم برفضها.

وتبقى
قضايا أخرى يرفضها الإسلام ويأباها، بينما يرى الغرب في تأييدها ضرورة، ومن ثم يظهر التباين بين رؤية الإسلام وبين الفكر الغربي فيما يتعلق بهذه القضايا ونرى أن هذا التباينغالباًما ينشأ نتيجة اختلاف الفهم لقضية المساواة بين الرجل والمرأة.


الفصل
الأول: مساواة المرأة بالرجل
المبحث
الأول
قضية
المساواة عند الغرب ودوافعها

4-
كان الرومان يعتبرون أنفسهم أوصياء على الإنسانية كلها، وقد بسطوا سلطانهم بحد السيف على الكثير من شعوب الدنيا، واستعملوا في سبيل ذلك كل الوسائل التي توصلهم إلى ما يبتغونه، سواء أكانت هذه الوسائل شريفة أم حقيرة، واستطاعوا في النهاية أن يسيطروا على معظم أجزاء العالم معتبرين أنفسهم سادته.

ولم
تكن قوانينهم ونظمهم تساوي بين الرومان وغيرهم من سائر الشعوب التي يتحكمون في مصائرها، وإنما يعتبرون غير الروماني من طبقة أدنى من طبقة الرومان ليس له الحقوق التي يتمتع بها هؤلاء، وإنما قد خلق ليكون رقيقاً يخدم فقط وليس من حقه التطلع إلى ما وراء ذلك.

ولذلك
فإنهم انطلاقاً من هذا المعتقد وضعوا نوعين متباينين من القوانين، أحدهما: القانون المدني، وهو خاص بالشعب الروماني نفسه، وثانيهما: قانون الشعوب، وهو خاص بسكان البلاد التي احتلها الرومان.

5- وهذه
التفرقة كما كانت بين الشعب الروماني وغيره، كانت كذلك بين الرجال والنساء، وانعكست بدورها على وضع المرأة، ففي غضون القرون التي كانت فيها دول المدن اليونانية على جانب عظيم من رفعة الشأن، كانت النساء في هذه الدولة يقمن بأدوار تافهة وضيعة، ولئن تمتعن بحق الحياة فما ذلك إلا لأنه لم يكن عنهن غنى، وكان الرجال يجدون فيهن المتعة والتسلية .

وكان
بعض الفلاسفة ينظرون إلى المرأة على أنها كائن ناقص، مسلوب الإرادة، ضعيف الشخصية، وذهبوا في ذلك إلى حد القول بأنه يجب أن يبقى النساء الرشيدات تحت الوصاية لخفة عقولهن.

وقد
جرد القانون الروماني المرأة من معظم حقوقها المدنية في مختلف مراحل حياتها، فلم تكن لها أهلية أو شخصية قانونية، وقد كان القانون يعتبر (الأنوثة)سبباً من أسباب انعدام الأهلية - كحداثة السن والجنون، فقبل زواجها تكون تحت سيطرة رئيس الأسرة - أبيها أو جدها - وتعطيه هذه السيطرة كافة الحقوق عليها، كحق إخراجها من الأسرة، وبيعها بيع الرقيق، وحتى حق الحياة والموت، وبعد زواجها تنقطع علاقتها انقطاعاً تاماً بأسرتها القديمة ويحل زوجها محل أبيها أو جدّها، ويسمى هذا الزواج (زواج السيادة)، وقد بلغ من سيادة زوجها عليها أنها كانت تحال إليه إذا اتهمت بجريمة ليحاكمها ويتولى معاقبتها بنفسه، وكان له أن يحكم عليها بالإعدام في بعض التهم كالخيانة مثلاً، وكان إذا توفي عنها زوجها دخلت في وصاية أبنائها الذكور، أو إخوة زوجها أو أعمامه .

6- ثم
أخذت نظرية الرومان في النساء تتبدل برقيهم في المدنية والحضارة، وما زال هذا التبدل يطرأ على نظمهم وقوانينهم المتعلقة بالأسرة وعقد الزواج والطلاق، فانعكست الحال رأساً على عقب، فلم يبق لعقد الزواج عندهم معنى، ومنحت المرأة جميع حقوق الإرث والملك، وجعلها القانون حرة طليقة لا سلطة عليها للأب ولا للزوج، ثم سهلوا من أمر الطلاق حتى جعلوه شيئاً عادياً يلجأ إليه لأي سبب.

ثم
بدأت تتغير نظرتهم إلى العلاقات والروابط القائمة بين الرجل والمرأة من غير عقد مشروع، وقد بلغ بهم التطرف في آخر الأمر أن جعل كبار علماء الأخلاق منهم يعدون الزنا شيئاً عادياً.

7-
أما في المسيحية، فكانت النظرة السائدة قديماً أن المرأة تحمل وزر الخروج من الجنة، ومنها انبجست عيون المصائب الإنسانية جمعاء، فبحسبها ندامة وخجلاً أنها امرأة، وينبغي أن تستحي من حسنها وجمالها ؛ لأنها سلاح إبليس الذي لا يوازيه سلاح من أسلحته المتنوعة، وعليها أن تكفِّر ولا تنقطع عن أداء الكفارة أبدا، لأنها هي التي قد أتت بما أتت به من الرزء والشقاء للأرض وأهلها.

وكان
من غلو رجال الكنيسة في العصور الوسطى، أنهم جعلوا من موضوعاتهم التي يتدارسونها:
هل
للمرأة أن تعبد الله كما يعبده الرجل؟
هل
تدخل الجنة وملكوت الآخرة؟
هل
هي إنسان له روح ينعم بالخلود، أم نسمة فانية لا خلود لها ؟


وفي
القرن الخامس الميلادي، اجتمع مجمع (ماكون)للبحث في مسألة: (هل المرأة مجرد جسم لا روح فيه، أم لها روح؟ )، وقد قرروا أنها خلو من الروح الناجية من عذاب جهنم، وفي عام 586 مقبيل بعثة النبي الخاتم - عقد الفرنسيون مؤتمراً لبحث ما إذا كانت المرأة إنساناً أم غير إنسان ؟ فتوصلوا إلى أنها إنسان، خلقت لخدمة الرجل فحسب.

8- كما
أن المرأة جعلت تحت سلطة الرجل الكاملة من الوجهة الاقتصادية، فأصبحت حقوقها في الإرث محدودة، وأما حقوقها في الملكية فكانت قليلة، ولم يكن لها حق فيما تكسبه بيدها، بل كان كل ما عندها ولها ملكاً لزوجها .

9- هنا
... كان من حق الغرب أن ينتفض لمثل ما ذكرناه، وأن ينادى بمساواة المرأة للرجل في الحقوق والواجبات، بعد أن نادى بمساواة الإنسان بالإنسان دون تفرقة بسبب اللون أو العرق.

وأول
ذكر للمساواة عند الغرب، كان من خلال إعلان الاستقلال الأمريكي (عام 1776م)حيث أشير فيه إلى مبدأ المساواة بين الناس، بجانب ذكر بعض الحقوق كحق الحياة وحق الحرية، ثم صدر بعد ذلك إعلان الدستور الأمريكي (عام 1787م)، وتعرض فيه لبعض الحقوق الإنسانية ومنها إيجاب المساواة.

وأما
المناداة بالمساواة كنظام وتشريع، فقد ظهرت مع الثورة الفرنسية ومناداة كتاب الثورة بذلك، أمثال: جان جاك روسو، ومونتسكيو.... وغيرهم، وصدرت (عام 1789م )وثيقة حقوق الإنسان والمواطن، وبدأت الوثيقة بعبارة (يولد الناس أحراراً ومتساوين في الحقوق )حيث تضمنت تقرير المساواة، وقد حرص الفرنسيون على هذا الإعلان ووضعوه في مقدمة الدستور الفرنسي الصادر عام 1791م، ويتكون هذا الإعلان من (17)مادة، حيث تضمنت المادة الأولى حق الحرية والمساواة، كما أكدت المادة السابعة منه على حق المساواة أمام القانون، والمساواة في الحصول على الوظائف.

أما
ميثاق الأمم المتحدة فقد جاء في مقدمته التأكيد على الحقوق الأساسية للإنسان، وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية .

وقد
نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق المساواة وأن الناس سواسية أمام القانون، ولهم الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بالإعلان العالمي، فجاء في ديباجة هذا الإعلان: (إن الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية، وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية، والعدل والسلام في العالم )، والمادة الأولى من هذا الإعلان العالمي نصها:
(يولد
الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء )


كما
صدر عن الأمم المتحدة إعلان القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري عام (1963م)، يتناول المساواة بين البشر دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين، وحق كل إنسان في المساواة أمام القانون، وفي الأمن على شخصه وحماية الدولة له، كما أن لكل إنسان يتعرض في حقوقه وحرياته الأساسية لأي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل العرقي حق التظلم من ذلك.

10-
ونلاحظ في الوثائق التي أشرنا إليها أن هناك اهتماماً كبيراً بقضية المساواة يتناسب مع ما كانت تعانيه المرأة في الغرب من الإهمال والتمييز في المعاملة والحقوق وفي سائر أمور الحياة، الأمر الذي جعلها تنص على المساواة التامة بينهما في جميع ميادين ومجـالات الحيـاة المختلفة، في الحقوق والواجبات والالتزامات والمسؤوليات دون استثناء أو مراعاة للاختلافات في تكوين المرأة وفطرتها وطبيعتها.

11-
 كما نلاحظ أن التقنينات الغربية وقد حاولت أن تتخلص من آثار نظرة العصور القديمة والوسطى للمرأة، إلا أنه لا يزال بها بقايا تأثر بنظرة القانون الروماني للمرأة وقد كانت المادة الثانية عشرةمثلاًمن القانون المدني الفرنسي تجعل الزواج سبباً في سلب أهلية الزوجة في التقاضي وفي التصرفات المالية، إلا إذا حصلت على تصريح كتابي من زوجها، ولم تلغ هذه الوصاية إلا بعد إصلاح تشريعي سنة 1938م ، وبعض الدولكبلجيكاربطت ذلك بإرادة الزوج، فإن شاء أعطى زوجته صكاً عاماً دائماً، أو لمدة محدودة، بموجبه تملك التصرف في بعض أموالها أو فيها كلها، وللزوج سحب هذا التصريح متى شاء، مما يجعل الزوجة في حكم الصغير الذي يتوقف نفاذ تصرفه على موافقة الولي أو الوصي .

• • • • •
المبحث
الثاني
موقف
الإسلام من قضية المساواة بين الرجل والمرأة
12-
يعتبر البعض قضية المساواة بين المرأة والرجل وركيزة ومدخلاً في توجيه اللمز والانتقاص لتشريعات الإسلام، باعتبار أحكامه الخاصة بالمرأة تمثل أنماطاً تقليدية يجب نبذها وتجاوزها، وهو ما يتردد في العديد من المؤتمرات الدولية، بحيث يصبح الصوت الإسلامي في هذه المؤتمرات يمثل للبعض ردة حضارية.

في
حين أن بعض صور المساواة بين المرأة والرجل، التي تنادي بها هذه المؤتمرات، كتكريم المرأة، والتأكيد على حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية...وغيرها، قد سبق الإسلام بمئات السنين ليس بمجرد إعلانها فقط، وإنما بتطبيقها تطبيقاً عملياً تفخر به البشرية.

فالإسلام
أعطى الإنسان الحرية، وقيدها بالفضيلة حتى لا ينحرف، وبالعدل حتى لا يجور، وبالحق حتى لا ينزلق مع الهوى، وبالخير والإيثار، حتى لا تستبد به الأنانية وبالبعد عن الضرر، حتى لا تستشري فيه غرائز الشر .

13- والمرأة
في ميزان الإسلام كالرجل، فرض الله عليها القيام بالتكاليف الشرعية وهي تحمد إذا استجابت لأمر الله، وتذم إن تنكبت الصراط السوي، كما قال عز وجل ﴿ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب.

14- وقد
كانت المرأة في المجتمع الجاهلي العربي قبل الإسلام محرومة من كثير من حقوقها، وعرضة للظلم والضيم تؤكل حقوقها وتبتز أموالها، وتحرم الإرث، وتعضل بعد الطلاق - أو وفاة الزوج - من أن تنكح زوجاً ترضاه، فقال تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بالمعروف.

وكانت
تورث كما يورث المتاع أو الدابة، فقال الله عز وجل ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا .

وكانت
تمسك ضراراً للاعتداء والإيذاء، فقال الله تعالى ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ.

وكانت
تلاقي من بعلها نشوزاً و إعراضاً، وتترك في بعض الأحيان كالمعلقة، فقال تعالى ﴿ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا.

كما
كان كثير من العرب يتشاءمون بميلاد الأنثى، كما حكى الله عنهم في قوله جل شأنه ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فـِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ.

15- فجاء
الإسلام ليهدم ذلك كله، ويقرر أن النساء شقائق الرجال، ويقرر المساواة بينهما في أصل الخلق وفي نسبتهما البشرية، فليس لأحدهما من مقومات الإنسانية أكثر مما للآخر، ولا فضل لأحدهما على الآخر بسبب عنصره الإنساني وخلقه الأول، فالناس جميعاً ينحدرون من أب واحد وأم واحدة، قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ﴾، ويقرر الإسلام أن جنس الرجال وجنس النساء من جوهر واحد وعنصر واحد هو التراب، قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ﴾، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ... ﴾، وهذه النفس الواحدة كانت كفيلة لو أدركتها البشرية أن توفر عليها تلك الأخطار الأليمة التي تردت إليها، وهي تتصور في المرأة شتى التصورات السخيفة وتراها منبع الرجس والنجاسة وأصل الشر والبلاء، وهي من النفس الأولى فطرة وطبعاً، خلقهـا الله لتكون لها زوجاً، وليبث منهما رجالاً ونساء، فلا فارق في الأصل والفطرة، إنما الفارق في الاستعداد والوظيفة .

فقد
سما القرآن بالمرأة حتى جعلها بعضاً من الرجل، فكلاهما يكمل الآخر، ولا يستقيم أمر الدنيا إلا بهذه الطبيعة المزدوجة، وهذا التداخل الوثيق.

16- والمرأة
كالرجل كذلك من حيث أصل التكاليف الشرعية، ومن حيث الثواب والعقاب والجزاء على العمل في الدنيا والآخرة، قال تعالى ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.

وقال
عز وجل ﴿ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ.

وقال
سبحانه ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ﴾، وقالعز من قائل﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ.

والمرأة
مشمولة بالنصوص الآمرة بأداء فرائض الإسلام وأركانه، كالأمر بأداء الصلاة وصيام شهر رمضان وحج بيت الله تعالى، وهي مشمولة كذلك بالنصوص الناهية، كالنهي عن الزنى والسرقة، فهي أمام تقف نفس موقف الرجل أمام تعاليم الإسلام ، قال تعالى ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِيـنَ وَالصَّادِقَـاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا.

أما
في جانب المسؤولية عن المجتمع واستقامته، فنجد أن الإسلام قد جعل من المرأة قرينة للرجل، ففي جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والطاعة لله ولرسوله، يجعل الإسلام المسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة، قال تعالى ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.

17- وقد
سوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الحقوق المدنية بمختلف أنواعها، لا فرق في ذلك بين وضعها قبل الزواج وبعده.

فقبل
الزواج يكون للمرأة شخصيتها المدنية المستقلة عن شخصية ولي أمرها، فإن كانت بالغة يحق لها أن تتعاقد وتتحمل الالتزامات، وتملك العقار والمنقول، وتتصرف فيما تملك، ولا يحق لوليها أن يتصرف في أملاكها إلا بإذنها، كما يحق لها أن توكل وأن تفسخ الوكالة، فالإسلام جعل للمرأة الحق في مباشرة العقود المدنية من بيع وشراء، وأباح لها أن تضمن غيرها، وأن يضمنها غيرها -على نحو ما أبيح للرجال في كل هذه التصرفات، ولا نعلم أحداً من فقهاء الإسلام رأى أن النصوص الواردة في التصرفات المالية خاصة بالرجل دون المرأة .

18- وبعد
الزواج يكون للمرأة شخصيتها المدنية الكاملة، فلا تفقد اسمها ولا أهليتها في التعاقد، ولا حقها في التملك، فتحتفظ باسمها واسم أسرتها، وبكامل حقوقها المدنية، وبأهليتها في تحمل الالتزامات، وإجراء مختلف العقود من بيع وشراء ورهن وهبة ووصية وما إلى ذلك، محتفظة بحقها في التملك تملكاً مستقلاً عن غيرها فللمرأة المتزوجة في الإسلام شخصيتها المدنية الكاملة وثروتها الخاصة وذمتها المالية وهي في هذا كله مستقلة عن شخصية زوجها وثروته وذمته.

19- أما
الحقوق العامة فقد ساوى الإسلام فيها أيضاً بين الرجل والمرأة، فجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وكان على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم مسؤولية في أمر التعلم والتعليم ونقل العلم الشرعي لأفراد الأمة، قال تعالى مخاطباً لهن ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا.

ولا
يزال التاريخ الإسلامي حافلاً بنماذج مشرقة من نساء المؤمنين ممن أصبحن عالمات معلمات للخير على مر العصور الإسلامية.

وكذلك
حق العمل، فقد سوى الإسلام بين الرجل والمرأة في حق العمل، فأباح للمرأة أن تضطلع بالوظائف والأعمال المشروعة التي تحسن أداءها ولا تتنافى مع طبيعتها.

ولم
يقيد هذا الحق إلا بما يحفظ للمرأة كرامتها، وينأى بها عن كل ما يتنافى مع الخلق الكريم، فاشترط أن تؤدي عملها في وقار وحشمة، وفي صورة بعيدة عن مظان الفتنة، وألا يكون من شأن هذا العمل أن يؤدي إلى ضرر اجتماعي أو خلقي أو يعوقها عن أداء واجباتها الأخرى نحو زوجها وأولادها وبيتها أو يكلفها ما لا طاقة لها به وألا تخرج في زينتها، وأن تستر أعضاء جسمها، ولا تختلط بالرجال،ولا تخلو برجل- غير محرم لها- بسبب أدائها لعملها .

20- وقد
خفض الإسلام للمرأة جناح الرحمة والرعاية في أمر الأعباء المالية، فكفل لها من أسباب الرزق ما يصونها عن التبذل، ويحميها من عناء الكدح في الحياة فأعفاها من كافة أعباء المعيشة، وألقاها على كاهل الرجل.

فما
دامت المرأة غير متزوجة فنفقتها واجبة على أصولها أو أقاربها الوارثين لها، فإن لم يكن لها قريب قادر على الإنفاق عليها، فنفقتها واجبة على بيت المال.

وأما
في مرحلة الزواج، فقد أعفيت المرأة من أعباء المعيشة ويلزم الزوج نفقتها، دون أن تكلف أي عبء في نفقات الأسرة مهما كانت موسرة.

وإذا
انفصمت عرى الزوجية يتحمل الزوج وحده جميع الآثار المالية الناتجة عن ذلك فعليه مؤخر صداق زوجته، وعليه نفقتها مادامت في العدة، وعليه نفقة أولاده وأجور حضانتهم ورضاعتهم، وعليه نفقات تربيتهم بعد ذلك.
• • • •

بقلم

د
. سامح عبدالسلام محمد


 المقالة نُشرت من الطالبة: ملاك البقيّة

شاركني رأيك