القوامة
الدكتور مسلم اليوسف

إن الحمد لله نحمده ، و نستعينه ، و نستهديه و نستغفره ، ونسترشده ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده ورسوله .
 
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران:102) .

 
و قال أيضاً : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1) .

  
وقال جل جلاله :(  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً )

  (
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب: 70-71) .
       
 
أما بعد :
  
فإن أحسن الكلام كلام الله  ، عز و جل  ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، و كل بدعة ضلالة ، و كل ضلالة في النار .[1]
و بعد :
حاول الكثير من أعداء الإسلام التشنيع على الدين الإسلامي من خلال آية القوامة كدليل على التمييز ضد المرأة , و لعل أطرف ما قيل [2]:
1- أن الإسلام قد سلب المرأة حريتها ، و أهليتها و ثقتها بنفسها إذ جعل الرجل قواما على المرأة .
2- أن القوامة تمثل بقايا من عهد استعباد المرأة و إذلالها , يوم أن كانت المرأة كما مهملا في البيت , و فكرة مجهولة في المجتمع و أماً ذليلة مهينة للزوج .
3- ليس من المستساغ ، و لا من العدل أن ينفرد الرجل بالقوامة ، و رياسة الأسرة من دون المرأة ، و هي قد حطمت أغلال الرق ، و الاستعباد ، وتساوت مع الرجل في كل الحقوق ، و الالتزامات .

و للرد على هذه الشبهات والمغالطات , نرى أن نبسط القول في قوامة الرجل على المرأة في الشريعة الإسلامية :
قال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) (النساء:34)

إن القوامة في الشريعة الإسلامية ما هي إلا آلية تنظيمية تفرضها ضرورة السير الآمن للأسرة المسلمة القائمة بين الرجل ، و المرأة و ما ينتج عنهما من نسل طيب ، و ما تستتبعه من تبعات  .
و في شأن القوامة ما بين الرجل و المرأة هناك فروض ثلاثة : فإما أن يكون الرجل هو القيم ، أو تكون المرأة هي القيم ، أو يكونا معا قيمين  .
و حيث إن وجود رئيسين للعمل الواحد يؤدي إلى التنازع والإفساد , لذلك سنستبعد هذا الفرض منذ البدء .
قال تعالى : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الأنبياء:22) .

و الفرض الثانيأن تعطى المرأة القوامة ، و رئاسة الأسرة :
و الأمكقاعدة عامة- عاطفية انفعالية تتغلب عاطفتها على عقلها في أي أزمة تمر بها هي ، أو أحد أفراد أسرتها , و الذي يدبر أموره  ، و أمور غيره بالانفعال كثيرا ما يحيد عن الطريق المستقيم ، و يعرض نفسه ، وغيره لأزمات كان بالإمكان تخطيها ، و عدم الوقوع بها .
و العاقل الذي لا يحكمه هواه يستبعد هذا الفرض الذي لا يصلح لقوامة ، و رياسة الأسرة .
قال الشيخ محمد قطب ، حفظه الله  : ( أن المرأة ذاتها لا تحترم الرجل الذي تسيره فيخضع لرغبتها بل تحتقره لفطرتها ، و لا تقيم له أي اعتبار ، فهذه هي المرأة الأمريكية بعد أن ساوت الرجل مساواة كاملة ، و صار لها كيان ذاتي مستقل عادت فاستعبدت نفسها للرجل فأصبحت هي التي تغازله ، وتتلطف له ليرضى ! و تتحسس عضلاته المفتولة ، و صدره العريض ، ثم تلقي بنفسها بين أحضانه حيث تطمئن إلى قوته بالقياس إلى ضعفها [3].

و حيث إننا استبعدنا الفرض الأول والثاني لم يبق إلا الفرض الذي حكم به الإسلام لسببين :
1- أن الرجل بناء على طبيعته التي خلقها الله تعالى عليها يتمتع بقدرات جسمية ، و عقلية أكبر بكثير على - وجه العموم  - من المرأة التي تكون عادة أقل حجما وقوة ، و يتحكم بانفعالاتها و أفعالها ، العواطف الإيجابية و السلبية أكثر من حكمة العقل ورجحانه .
(
و قد أثبتت الأبحاث الطبية أن دماغ الرجل أكبر من دماغ المرأة ، و أن التلافيف الموجودة في مخ الرجل هي أكثر بكثير من تلك الموجودة في مخ المرأة ، و تقول الأبحاث أن المقدرة العقلية و الذكاء تعتمدان إلى حد كبير على حجم ، و وزن المخ و عدد التلافيف الموجودة فيه  ) [4] .
2- الإسلام فرض على الزوج الإنفاق على أسرته بالمعروف , كما كلفه بدفع المهر ، و غيره من الالتزامات ، و الواجبات , و ليس من العدالة و الإنصاف في شيء أن يكلف الإنسان بالإنفاق على أسرته دون أن يكون له حق القوامة ، و الإشراف و التربية .
و قد ذكر الله سبحانه و تعالى إلى هذين السببين الرئيسيين لاختيار الإسلام الرجل للقوامة .
بقوله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) (النساء:34)

قال الإمام ابن كثير عليه رحمة الله : ( أي هو رئيسها ، وكبيرها و الحاكم عليها و مؤدبها إذ اعوجت , بما فضل الله بعضهم على بعض أي  لأن الرجال أفضل من النساء و الرجل خير من المرأة ، و لهذا كانت النبوة مختصة بالرجال ، و كذلك الملك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم : (لم يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ...)[5]. و كذا منصب القضاء ، وغير ذلك ، ( و بما أنفقوا من أموالهم ) أي من المهور ، و النفقات و الكلف التي أوجبها الله عليهن في كتابه ، وسنة نبيه صلى الله عليه و سلم ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه ، و له الفضل عليها ، والإفضال , فناسب أن يكون قيما عليها كما قال الله تعالى : ( و للرجال عليهن درجة ).
و قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس  رضي الله عنهم : ( الرجال قوامون على النساء ) (( يعني أمراء عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته ، و طاعته أن تكون محسنة لأهلها حافظة لماله ))[6]
و قال الإمام البغوي عليه رحمة الله : ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) , يعني الرجال على النساء بزيادة العقل ، و الدين و الولاية , و قيل : بالشهادة ، لقوله تعالى : (فإن لم يكونا رجلين فرجل و امرأتان , و قيل بالجهاد و قيل بالعبادات من الجمعة و الجماعة ، و قيل هو الرجل ينكح أربعا . و لا يحل للمرأة إلا زوج واحد , و قيل : بأن الطلاق بيده , و قيل : بالميراث , و قيل : بالدية ، و قيل , بالنبوة[7].
 
و قال البيضاوي عليه رحمة الله : ( الرجال قوامون على النساء : ( يقومون عليهن قيام الولاية على الرعية وعلل ذلك بأمرين , و هبي ، وكسبي , فقال : (بما فضل الله بعضهم على بعض ) , بسبب تفضيله تعالى الرجال على النساء بكمال العقل , و حسن التدبير , و مزيد القوة في الأعمال و الطاعات , و لذلك خصوا بالنبوة و الإمامة و الولاية , و إقامة الشعائر و الشهادة في المجامع القضايا ، و وجوب الجهاد و الجمعة و نحوها ، و زيادة السهم في الميراث ، و بأن الطلاق بيده ( و بما أنفقوا من أموالهم في نكاحهن كالمهر ، و النفقة ) [8].

فالإسلام إذا جعل القوامة للرجل على المرأة , لم يشرع استبداد الرجل بالمرأة , و لا بإرادة الأسرة , ولم يرد أن تكون تلك القوامة سيف مسلط على المرأة , و إنما شرع القوامة القائمة على الشورى ، و التعاون و التفاهم ، و التعاطف المستمر بين الزوج  و زوجته .
قال تعالى (( و عاشروهن بالمعروف ))[9] سورة النساء من الآية 19.
و لقوله صلى الله عليه وسلم (خيركم خير للنساء ولبناته))[10]
و لقوله صلى الله عليه و سلم (( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا و ألطفه بأهله ))[11].
و لقوله صلى الله عليه وسلم ( الصلاة الصلاة , و ما ملكت إيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون الله الله في النساءفإنهن عوان بين أيديكم أخذتموهن بأمانة الله , و استحللتم فروجهم بكلمة الله ) [12] .
و لا يمكننا أن ننسى قول رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه و سلم (رفقا بالقوارير ) [13] .

ضوابط القوامة :
إن القوامة في الشريعة الإسلامية لها مدى تقف عنده ، و تنتهي إليه ، فهي لا تمتد إلى حرية الدين ، و المعتقد ، فليس للزوج أن يكره زوجته على تغير دينها إذا كانت كتابية و لا أن يجبرها على اتباع مذهب معين ، أو اجتهاد محدد من الاجتهادات الفقهية إذا كانت من أهل القبلة مادام هذا الرأي لا يعتبر بدعة مضلة ، و لا يخالف الحق و أهله .
 
كما لا تمتد القوامة إلى حرية المرأة في أموالها الخاصة ، و لا في المساواة بينها و الرجل في الحقوق التي أراد الله فيها المساواة ، و ليس لها طاعته إذا ارتكب معصية ، لقوله صلى الله عليه وسلم : لا طاعة لأحد في معصية الله تبارك و تعالى ) .[14]
فإذا كانت قوامة الرجل لا تمتد إلى الحقوق الأساسية للإنسان  فما الذي يخيف دعاة ما يسمى بتحرير المرأة في قوامة الرجل ؟
فماذا يريدون للمرأة افضل ، و أكرم من تلك المكانة المرموقة التي بوأها الإسلام إياها إن كانوا حقا ينشدون خيرا للمرأةكما يزعمون ؟ .
الحقيقة أنهم لا يريدون ذلك بل يريدون تحطيم ذلك الحصن المنيع للمرأة المسلمة المتمثل ( في قوامة الرجل ) الذي جعله الإسلام قلعة لحماية المرأة من عاديات الزمان وتقلباته ، و رجاله .
ذلك أن موضوع تشريع الحقوق ، و الواجبات لو أوكل إلى الإنسان لشرع من الحقوق ما لا يناسبه ، و قد يأتي تشريعه تسلطا على الآخرين هذا من جانب ، و من جانب آخر لا توجد الضمانات التي تحمل الآخرين على قبول رأيه , و تشريعه للحقوق , و هو إنسان مثلهم ، و خاصة مثل هذه التشريعات قد تأتي وسيلة للتحكم ، و استغلال الآخرين .
 
أما عندما تكون من عند الله تعالى , يتساوى أمامها الجميع وتبرأ من الشهوة و الهوى ، و تحقق الاستقرار ، و تنسخ فكرة أن يتخذ الناس بعضهم أربابا من دون الله إلى جانب ما يمتاز به الحق الذي شرعه الله ، و منحه من القدسية  الثواب والعقاب في الدنيا و الآخرة  .
(
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة:286) .

شاركني رأيك